وهكذا أشرفت كلمات الله من عل على الناس جميعا.. مؤمنين، ومشركين، وخاطبت كل فريق منهم الخطاب الملائم له.. وكان من مقتضى الحكمة ألا تجمع بينهما فى هذا الموقف جامعة، الأمر الذي أوجب عزل مقاطع الآية بعضها عن بعض، فلم يقم بينهما حرف عطف، إذ كان داعية الحال تقضى بأن ينزع المؤمنون من قلوبهم كل عاطفة تعطفهم على المشركين من أهليهم وذوى قرابتهم، وأن يستريحوا إلى اليأس من إيمانهم، غير آسفين على هذا المصير الذي هم صائرون إليه.. إذا أن الأمر كله لله.. وأن لو شاء الله لهدى الناس جميعا.!
أفرأيت إذن كيف كان هذا الإعجاز فى النظم؟ وكيف جاءت مقاطع الآية على هذا الوجه الذي جعل كل مقطع منها يكاد يعطى ظهره لصاحبه؟ وهل فى غير كلام الله- سبحانه وتعالى- يجىء مثل هذا النظم الذي يجعل من الكلمات شخوصا ماثلة، مائجة بالعواطف الجياشة، الملتحمة فى هذا الصراع..
من داخل ذاتها، ومن خارجها على السواء؟
فسبحان من هذا كلامه.. «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ» ..!
قوله تعالى:«وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ» - هو إرهاص بما سيلقى هؤلاء المشركون والكافرون، من بلاء فى هذه الدنيا على يد المؤمنين.
وإنه كما يئس المؤمنون من إيمان أهليهم وإخوانهم، وصبروا على تلك المصيبة فيهم، كذلك ينبغى عليهم أن يوطنوا أنفسهم على ألا يحزنوا، ولا يأسوا على ما سيحل بهؤلاء المشركين من بلاء، وما يصيبهم من قوارع، أي كوارث ونوازل، ذلك أنهم قد استوجبوا بكفرهم، هذا الخزي والبلاء فى الدنيا،