روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قرأ على أصحابه سورة الرحمن، حتى فرغ، قال:«ما لى أراكم سكوتا؟ للجنّ كانوا أحسن منكم ردّا.. ما قرأت عليهم من مرة «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» إلا قالوا: ولا بشىء من نعمك نكذب.. فلك الحمد» ..
ومن جهة أخرى، فإن الإسلام حذّر أهله من أن يستمعوا إلى زور الكلام وباطله، ونصح لهم أن يفرّقوا بين الطيب والخبيث، والحسن والقبيح، فيستمعوا للطيب الحسن ويأخذوا به، ويتجنبوا الخبيث القبيح ويعرضوا عنه:
فقال تعالى:«فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ»(١٧- ١٨: الزّمر) .. ويقول جلّ شأنه فى وصف عباده المتقين:«وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً»(٧٢- ٧٣: الفرقان) .. ويقول سبحانه:«وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ»(٥٥: القصص) .
فاللغو من القول، والزور من الحديث، آفة تدخل على الإنسان، وتندسّ فى مسارب تفكيره، وفى خلجات وجدانه، ثم إذ هى مع الزمن، ومع ما يرد عليها من كلمات السوء- نبتة فاسدة، لا تلبث أن تستغلظ وتستوى على سوقها، ثم تنداح وتمتد حتى تكون شجرة مشئومة تملأ كيان الإنسان، وتظلل وجوده، وتغذّى من ثمرها النكد الخبيث، ما فى الإنسان من أفكار، ومشاعر..
وإذا هذه الأفكار وتلك المشاعر أعمال وأقوال، تذيع السوء فى النّاس، وتمشى بالشرّ والفساد فيهم! وننظر فى هذه الحياة، فنجد أن كلّ ما يقع فى الناس من خير أو شر، هو فى الواقع أثر من آثار كلمة طيبة، أو كلمة خبيثة.. فكلمة واحدة ينطق بها صاحبها