قوله تعالى:«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ» - الاستفهام هنا يراد به التعجب من أمر هؤلاء الضالين الذين بدلوا نعمة الله كفرا، وعرضهم فى معرض الازدراء لأحلامهم، والاستخفاف بأقدارهم، والتسفيه لتصرفاتهم..
وهؤلاء الذين بدّلوا نعمة الله كفرا، هم سادة قريش، وأئمة الضلال والكفر فيهم.. والنعمة التي بدلوها كفرا، هى القرآن الكريم، الذي جاءهم بالهدى، ليخرجهم من ظلام الجاهلية وضلالها، إلى نور الحق والإيمان.. فأبوا إلا أن يردّوا هذه النعمة، بل وأن يجعلوها نقمة وبلاء عليهم..
ذلك أن الجاهليين كانوا قبل البعثة المحمدية من أهل الفترة، الذين لم تبلغهم رسالة سماوية.. فهم- والحال كذلك- واقعون تحت قوله تعالى:«وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا»(١٥: الإسراء) .. أي أنهم كانوا غير مبتلين بالتكاليف الشرعية، وغير محاسبين على ما يكون منهم.. فهم أشبه بالصغار الذين لم يبلغوا الحلم بعد.
فلما بعث الله سبحانه وتعالى فيهم رسوله بالهدى ودين الحق، وبلّغهم الرسول ما أنزل إليه من ربّه، انقطع عذرهم، ولم يكن لهم على الله حجة بعد هذا البلاغ المبين، وفى هذا يقول تبارك وتعالى:«رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً»(١٦٥: النساء) ..
وبهذا فإن الذين لم يدخلوا فى دين الله، بعد بعثة النبي من الجاهليين، قد أصبحوا فى عداد الكافرين، إذ قد كشفت الدعوة الإسلامية عن هذا الداء