يقول الإمام الشافعي- رضى الله عنه- «لا تشاور من ليس فى بيته دقيق، فإنه مولّه العقل» .. أي لا عقل له، إذ كان فيما ركبه من هم، وما استولى عليه من مشاعر الأسى لصغاره الجياع، ما يذهب بكثير من قواه العقلية والنفسية.
ومن هنا كان هذا الدعاء:«اللهم أصلح لى دنياى التي فيها معاشى، وأصلح لى دينى الذي فيه معادى وعاقبة أمرى» كان دعاء جامعا لخير الدنيا والآخرة.
هذا وليست كثرة المال ووفرة المتاع، بالتي تقيم الإنسان دائما على طريق مستقيم مع الله، إذ كثيرا ما يكون المال ووفرته سببا فى صرف الإنسان عن طريق الحق، وركوبه طرق الغواية والضلال.. ولكن الفقر القاهر والحاجة القاسية، أكثر صرفا للإنسان عن الطريق السّوىّ.. إلا من عصم الله، وأمده بأمداد الحق والصبر.
وفى التعبير بكلمة «تهوى» إشارة إلى الدافع الذي يدفع الناس إلى هذا المكان القفر الجديب. وأن هذا الدافع لن يكون طلبا لمال أو متاع، وإنما هو إشباع لهوّى فى القلوب، وإرواء لظمأ فى النفوس، واستجابة لأشواق تهفو بالأرواح إلى هذا المكان.. وذلك لا يكون إلا استجابة لدعوة الله، وامتثالا لأمره، وتحقيقا لركن من أركان دينه.. فكانت فريضة الحجّ، هى دعوة الله إلى اجتماع المؤمنين فى هذا الوادي.. يجيئون إليه فى شوق، وحنين.. وكأنهم على ميعاد مع أمل محبوب طال انتظاره، وأمنية مسعدة، عزّ الوصول إليها.. وإلى هذا يشير الله سبحانه وتعالى بقوله:«وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ»(٢٧- ٢٨: الحج)