هنا يحدّث القرآن عن أن الله سبحانه وتعالى قد آذن للملائكة قبل خلق آدم، وقبل ميلاده المنتظر فى سلسلة التطور، آذنهم- سبحانه- بأن ينتظروا ميلاد هذا الكائن، وأن يسجدوا له ساعة مولده، سجود ولاء لله، وتمجيد لقدرته وحكمته إذ يشهدون هذا الطين يتحرك فى أحشاء الزمن، فيتمخض عن كائنات عجيبة.. ثم يلد أعجب مولود، هو هذا الإنسان، الذي ينطق، ويعقل، ويكون خليفة الله فى الأرض، ويقف بين يديه الملائكة موقف التلاميذ من أستاذهم، يتعلمون منه ما لم يكونوا يعلمون..
فالسجود لآدم فى حقيقته، سجود لله سبحانه، فى مواجهة هذه الظاهرة العجيبة، التي تتجلى فيها قدرة الله، وتطلع منها على الملائكة آية من آياته..
- وفى قوله تعالى:«فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي» - إشارة إلى أن آدم لم يظهر من الطين ظهورا مباشرا، وإنما ظل دهورا طويلة فى بوتقة الزمن، حتى استوى ونضح.. فالفاء فى قوله تعالى:«فَإِذا سَوَّيْتُهُ» تفيد التعقيب، ولكنه تعقيب يأخذ من عمر الزمن ملايين السنين.. «وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» .
- وفى قوله تعالى:«فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ» - إشارة إلى كيفية السجود، وأنه سجود لا يملك معه الملائكة أنفسهم، بل يخرون ساقطين على وجوههم، حين يأخذهم جلال الموقف، وتغشاهم رهبته..
والفعل «قعوا» هو أمر من الفعل «وقع» والأمر منه «قع» فإذا أسند إلى واو الجماعة كان: «قعوا» .. أي اسقطوا وخرّوا..
هذا، وقد جاء أمر الله سبحانه وتعالى إلى الملائكة بالسجود لآدم فى موضع آخر، فقال تعالى: