الواو للحال، والجملة بعدها حالا، من فاعل الفعل «سخّر» وهو الله سبحانه وتعالى.. والتقدير: وسخّر لكم الليل والنهار والشمس والقمر، فى حال أن النجوم مسخرات بأمره.. وبهذا يرتبط النظام الكونى للكواكب والنجوم بعضه ببعض، وتنتظمه حال واحدة، وهى التسخير لقدرة الله..
ويمكن أن تكون الواو للاستئناف، لا للعطف، على اعتبار أن للنجوم- فى ظاهر الأمر- وضعا غير وضع الليل والنهار والشمس والقمر.. إذ أن حركة الليل والنهار، والشمس والقمر، حركة تظهر آثارها، وتنطبع صورتها على الوجود الأرضى، بحيث يتأثر بها كل كائن. فى هذا الوجود، وينظم وجوده عليها.. وليس كذلك شأن النجوم.. إذ يمكن أن يهمل الإنسان شأن النجوم، فلا يلتفت إليها، ولا يقيم وزنا لوجودها، دون أن تتأثر حياته كثيرا بذلك، أو يشعر بأن شيئا ذا بال قد افتقده.. ومع هذا، فإن للنجوم شأنا كشأن الشمس والقمر، وأنها مسخرة بيد القدرة، كالشمس والقمر، وإن كان الإنسان فى غفلة عنها، ولهذا جاءت فاصلة الآية:«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» لتلفت العقل إلى هذه الظاهرة، ظاهرة النجوم وحركاتها فى السماء، وتسخيرها فى مداراتها، وأن أصحاب العقول وحدهم هم الذين يرون هذه الظاهرة، ويتعرفون إلى آثار رحمة الله وقدرته.. وأنه إذا التفت العقل إلى هذه النجوم التفاتا جادّا متفحّصا، وجد عالما رحيبا لا حدود له، وأكوانا عجيبة تذهل لجلالها العقول، وتخشع لروعتها القلوب.. إذ ليست هذه النجوم التي تبدو وكأنها حبّات من اللؤلؤ المنثور فى السماء، إلا أجراما أكبر من الشمس، وأن أصغر نجم فيها يعدل جرم الشمس آلاف المرات، وأن صغر حجمها، وقلة ضوئها بالنسبة للشمس إنما مرجعهما إلى بعدها البعيد عنّا، حتى ليبلغ مدى هذا البعد مئات الألوف، وألوف الألوف من السنين الضوئية، كما كشف عن ذلك علم الفلك..؟