مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الآيات التي سبقتها ذكرت البعث وإمكانيته، وكشفت عن بعض الحكمة من وقوعه فى قوله تعالى:«لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ..» وإذ كان هذا وجها من وجوه الموقف يوم القيامة، ناسب أن يذكر الوجه الآخر، وهو وجه الذين آمنوا بالله، وصدّقوا بآياته.. وأكرم ما فى هذا الوجه الكريم هم الذين هاجروا فى الله من بعد ما مسّهم الضر، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وذلك بما ساق إليهم المشركون من ألوان العسف والبلاء.. فهؤلاء سيوفيهم الله سبحانه أجرهم مرتين.. فى الدنيا.. وفى الآخرة..
فهم فى الدنيا سينصرون على عدوّهم، وسوف تمتلئ أيديهم بالخير، بما يمكّن الله لهم فى الأرض.. أما فى الآخرة، فلهم جنات النعيم، ورضوان من الله أكبر.. وذلك هو الفوز العظيم..
وفى قوله تعالى:«وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ» إشارة إلى أن الهجرة جهاد فى سبيل الله، ولهذا ضمّن الفعل «هاجر» معنى الفعل «جاهد» ، فعدّى بحرف الجر «فى» .. ويجوز أن يكون حرف الجر «فى» بمعنى الباء، التي تفيد السببية.. ويكون المعنى: والذين هاجروا بسبب الله، أي بسبب الإيمان بالله.. وفى الحديث:«عذبت امرأة فى هرة» أي بسبب هرة..
وقوله تعالى:«لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً» أي لننزلنهم منزلة حسنة فى الدنيا.. يقال: باء يبوء: أي رجع.. وسمّى المنزل مباءة، لأنه المرجع الذي يأوى إليه الإنسان بعد طوافه وسعيه فى الحياة..
ولقد صدق الله وعده، فأيد المؤمنين بنصره، ومكّن لهم فى الأرض، وأذلّ الكافرين والمشركين.. والمنافقين، وجاء نصر الله والفتح، ودخل الناس فى دين الله أفواجا..