للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن تسلك السبل التي يسّرها الله سبحانه وتعالى لها، وأقام طبيعتها عليها، بحيث لا حياة لها فى غير هذه السبل، وأنه إذ تسلك النحل هذه السبل- ولا بد لها أن تسلكها- يخرج من بطون تلك السبل شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس..

وهذا يعنى مرة أخرى أن النحل ليس إلا أداة من الأدوات العاملة فى هذا الجهاز العظيم الذي يخرج من بطونه هذا الشراب.. وهذا يعنى مرة ثالثة ألا يقف نظر الإنسان عند النحل وما يخرج منه من شراب عجيب، بل يجب أن يمتد النظر إلى آفاق فسيحة وراء أفق النحل.. فهناك الأزهار المختلفة التي يتغذى عليها النحل ويمتص رحيقها، وهى ألوان وطعوم.. كل لون منها، وكل طعم، فيه نظر لناظر، وعبرة لمعتبر.. فليس هذا الشراب المختلف الألوان الذي يخرج من بطون النحل- بأعجب من هذا الزهر المختلف الأصباغ الذي يخرج من بطون الأرض.. ثم هناك أيضا هذا التجاذب، والتوافق بين الزهر والنحل، فإنه لولا هذا التوافق والتجاذب لما جاء هذا الشراب، على صورته تلك..

فلو أنه كان من طبيعة النحل أن يتغذى بالحبّ، أو اللحم، أو ما شابه ذلك لما كان هذا الشراب.. فبطون النحل التي أخرجت الشراب، وبطون الأرض التي أخرجت الزهر، هى جميعا جهاز واحد فى صنعة هذا الشراب المختلف الألوان، الذي فيه شفاء للناس.

وقوله تعالى: «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ» .. هو آية من آيات الله فى خلقه.. وهى الحياة والموت.. فقد قضت حكمة الله أن يقرن الموت بالحياة، وأن يصله بها، ويسلطه عليها، مع اختلاف مدة الحياة التي يحياها الكائن الحىّ..

ففى الناس مثلا من يموت جنينا، ومنهم من يموت شابّا، ومنهم من يموت شيخا، ومنهم من يمتدّ به الأجل حتى يبلغ من العمر أرذله..! على أن النهاية هى الموت..!

<<  <  ج: ص:  >  >>