ولعل فى قوله تعالى:«وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ»(١١٤: طه) .. لعل فى هذا ما يشير إلى شىء من هذا التدبير السماوي فى نزول القرآن غير مرتّب الآي، إذ ربما كان صلى الله عليه وسلم تتنزل عليه الآية من القرآن، غير منسوبة إلى سورة من السور التي نزلت، فيبادر إلى وصلها بما سبقها أو لحقها، حتى لا تظل فى عزلة، بين سور القرآن التي تتلى فى الصلاة، أو ترتّل فى غير الصلاة.. فجاء قوله تعالى:«وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» ليدفع عن النبي هذا الشعور من القلق على تلك الآيات المفردة أن ينظر إليها غير تلك النظرة التي للقرآن الذي جمعت آياته، وتمت سورة! .. فتلك دعوة للنبىّ ألّا يعجل ببناء القرآن قبل أن يتمّ وحيه إليه به، إذ ما زال هناك قرآن كثير لم ينزل بعد، وفى هذا القرآن الذي سينزل علم كثير، يزداد به النبي علما إلى علم..
ويؤنسنا فى هذا الفهم لتلك الآية الكريمة، ما نجده فى قوله تعالى:
(١٦- ١٩: القيامة) .. ففى هذه الآيات ما يكشف عن مشاعر النبي نحو تلك الآيات التي كانت تتنزل مفردة غير منسوبة إلى سورة من السور، وإشفاقه من أن تفلت منه حيث لم ترتبط بغيرها من آيات القرآن وسوره.
وفى قوله تعالى:«إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ»
تطمين للنبى بهذا الوعد الكريم من الله سبحانه، بأنه جل شأنه، هو الذي سيتولى جمع هذا القرآن المفرّق، وبناءه على الصورة التي أراده الله سبحانه أن يقرأ عليها.. وذلك ما كان بعد أن تمّ نزول القرآن، وانقطع الوحى، فكان القرآن على تلك الصورة، التي تلقاها