ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فالدعوة هنا إلى الرجوع إلى الله، دعوة عامة إلى كل شارد عنه، مسوق بهواه، محمول على مطية حميته، وعناده.
وفى العطف «بثم» فى الموضعين هنا، إشارة إلى هذا البعد البعيد، الذي ينتقل به الإنسان من حال إلى حال..
فالذين عملوا السوء بجهالة، ثم كانت لهم إلى أنفسهم عودة، وكان لهم معها حساب.. هم على حال مباينة بونا شاسعا، لأولئك الذين يعملون السوء، ثم لا يقع فى أنفسهم ما بسوؤهم منه، ولا تمس ضمائرهم نخسة من آثاره..
فالأولون لا بد أن تكون لهم إلى الله رجعة، وقليل منهم من يمضى على طريق السوء الذي هو فيه إلى آخره.. والآخرون هيهات أن يراجعوا أنفسهم، ويرجعوا إلى ربهم.. وقليل منهم من يفعل. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:
«وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ»(١٣٥: آل عمران) والذين انتقلوا من حال المراجعة مع أنفسهم إلى حال التوبة وإصلاح ما أفسدوا، هم فى حالهم الثانية على بعد بعيد من حالهم الأولى.. ولهذا جاء العطف «بثم» فى قوله تعالى: «ثُمَّ تابُوا» .
والضمير فى قوله تعالى:«مِنْ بَعْدِها» يعود إلى التوبة، المفهومة من قوله تعالى «تابُوا» .. وهذا يعنى أن المغفرة والرحمة من الله تجىء بعد التوبة من الذنب، لا قبلها..