الانتقام منه، ومضاعفة الكيد له.. ولكن القوم لم يفعلوا، وبعثوا إلى قريش من يخبرها بما كان من أمر محمد معهم، ثم أغروا به سفهاءهم وعبيدهم، فوقفوا له سماطين (أي صفين) وجعلوا يسفهون عليه، ويرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتى أصابه شجاج فى رأسه! وترك الرسول الكريم- بأبى هو وأمي- الطائف على تلك الحال، وقد امتلأت نفسه أسى وحسرة، وفاض صدره، ضيقا وحزنا! ولكن إلى أين المسير؟ وهل هناك غير مكة؟ إنه على أي حال، لا يزال يمسك منها على شىء من الأمل والرجاء، ولا يزال يطمع فى خير من أهل أو صديق فيها! وقبل أن يتخذ الرسول وجهته إلى مكة، أسند ظهره إلى شجرة نائية هناك، حتى تجتمع نفسه، وتسكن خلجاته ويخف عنه بعض ما حمل من أهل ثقيف من آلام! وفى ظل هذه الشجرة، وجّه الرسول وجهه إلى ربّه، يناجيه، ويطلب العون والمدد من رحمته، فخلق قلبه بهذا النداء الدافئ العميق، وتحركت شفتاه بهذا الدعاء الندىّ العطر، المعقود بأنفاس الأمل والرجاء فى مالك الملك، ومن بيده ملكوت السماوات والأرض.. فيقول صلوات الله وسلامه عليه:
«اللهمّ.. أشكو إليك ضعف قوّتى، وقلّة حيلتى، وهو انى على الناس! «يا أرحم الراحمين. أنت ربّ المستضعفين، وأنت ربى ...
«إلى من تكلنى؟ إلى بعيد يتجهّمنى «١» ؟ أم إلى عدوّ ملّكته أمرى؟
«إن لم يكن بك غضب علىّ فلا أبالى..
(١) أي يتنكر بي. والمراد بالبعيد ثقيف، وبالعدو: قريش.