بهم الغرور، ويستولى عليهم الأشر والبطر، شأن أصحاب النفوس النكدة، والقلوب المريضة، إذا مستها رحمة من رحمات الله، مكرت بها، وأحالتها فى كيانها شرّا وبلاء، تتغدى منه، وتلقى بثمره النكد إلى كل ما حولها..
كالأرض الملح، ينزل عليها الغيث، فتتحول إلى برك ومستنقعات، لا تفوح منها إلا الروائح العفنة، ولا يتحرك على صدرها إلا الهوامّ والحشرات! وفى قوله تعالى:«فى الكتاب» إشارة إلى أن ما قضى الله به فى بنى إسرائيل، وألزمهم إياه- هو مما فى كتاب الله، وهو اللوح المحفوظ.. وفى هذا توكيد لهذا القضاء المبرم، المكتوب، وأنه لا مفرّ منه..
هذا، ويرى «الزمخشري» أن المراد بالكتاب هو «التوراة» متابعا فى هذا من سبقه من المفسرين، وقد تبعه على هذا الرأى من جاء بعده..! وقليل من المفسرين من قال بأن الكتاب هو «اللوح المحفوظ» باعتبار أن ذلك رأى مرجوح..
والذي نقول به، هو أن المراد بالكتاب، هو الكتاب المسطور، وهو اللوح المحفوظ، وهو أم الكتاب.. كما يقول سبحانه وتعالى:«وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ» وهذا هو الأنسب والأولى فى هذا المقام.. وذلك لأمرين:
أولهما: أن الله سبحانه وتعالى قد وصف الكتاب الذي جاء به موسى- وهو التوراة- بأنه هدى لبنى إسرائيل.. وليس يتفق مع هذا الوصف أن يحمل إليهم هذا الكتاب دعوة إلى الإفساد والتحبّر فى الأرض! أما ما فى كتاب الله المسطور، فهو قدر مقدور لهم، خفى عليهم أمره.. شأنهم فى هذا شأن ما قدّر على الناس من أقدار.. فهم- والحال كذلك- مدعوّون إلى الهدى، بهذا الكتاب الذي جاءهم به موسى، ثم هم- مع هذا- واقعون تحت هذا القضاء الذي حجبه الله عنهم!!