.. (١٠١- ١٠٤: الإسراء) ونقف من هذه الآيات عند قوله تعالى: «وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً» ..
ففى قوله تعالى:«وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ» إشارة إلى أمرين:
أولهما: أن سكنى بنى إسرائيل الأرض، لن تكون إلا سكنى ذليلة مهينة، لا يرتفعون فيها عن هذه الأرض، ولا يستعلون بآدميتهم عن الدوابّ التي تدبّ عليها.. فهم أبدا لا صقون بهذه الأرض، يغوصون فى طينها، ووحلها إلى أذقانهم، بحثا عما تعطى الأرض.. أما ما وراء هذا من مطالب الروح، فلا حظّ لهم فيه، ولا شغل لهم به..!
وثانيهما: أنهم سيشرّدون فى الأرض كلها.. فى طولها وعرضها.. إذ كان همّهم من سكنى الأرض، هو البحث عن كل مرعى فيها، فهم يتتبعون مواقع الرعي حيث كانت، وهذا ما تحدث عنه حياة اليهود، حيث هم فى كل صقع من أصقاع الأرض..
وفى قوله تعالى:«فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً» - إشارة إلى ما جاء فى قوله تعالى: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ، وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً» فبنو إسرائيل الذي جاءوا لوعد الآخرة، واجتمعوا اليوم فى فلسطين، وأقاموا الدولة الواقعة تحت حكم الله الذي قضى به عليهم يوم يجىء وعد الآخرة- بنو إسرائيل هؤلاء، قد جاءوا من كل أفق من آفاق الأرض مسوقين إلى حتفهم، مدعوّين إلى قدرهم المقدور، فى قوله تعالى:«فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً» .. أي جمعناكم من كل جهة.. فاللفيف من الناس: الجماعة