وتعالى فى أول سورة البقرة بقوله:«وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ» .. فالمراد بهذه الآية هم اليهود.. والمطلوب منهم أن يؤمنوا بالآخرة وأن يستيقنوها.. فهم وإن ذكروا الآخرة لا يذكرونها إلا بألسنتهم، ولكن قلوبهم منعقدة على إنكارها..
تكشف هذه الآية عن حال من أحوال الإنسان، وهو أنه مولع بحبّ العاجل من المتاع، يطلبه، ويؤثره على الآجل، وإن كان فيه من الخير أضعاف العاجل الذي طلبه وآثره..!
ومن هنا، كان أكثر الناس يطلبون الدنيا، ويستوفون حظوظهم منها، دون أن يتركوا للآخرة شيئا.. وهذا ما يحملهم على أن يهتفوا بالشرّ، ويلحّوا فى طلبه، حتى كأنه خير محقق.
ووصف ما يستعجله الناس من متاع الحياة الدنيا بالشرّ، إنما هو بالإضافة إلى الحال التي يتلبّس بها طالبوه، حيث يصرفهم عن الآخرة، ويعمى أبصارهم عن النظر إليها.. فهذا المتاع ليس شرا فى ذاته، وإنما هو شرّ بالنسبة لمن شغلوا به عن الآخرة، وأذهبوا طيباتهم فى حياتهم الدنيا، واستمتعوا بها.. وفى هذا أيضا نخسة لبنى إسرائيل، وأنهم طلّاب دنيا، لا ينظرون إلى ما وراءها..
مناسبة هذه الآية لما قبلها.. أنها تكشف عن وجهين من وجوه الحياة المتسلطة على الناس، وهما النور والظلام، وهما أشبه بالوجهين اللذين يعيش فيهما الناس، وهما وجها الخير والشرّ اللذان أشارت إليهما الآية السابقة..