للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: «وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً» ..

أي من سنن الله فى عباده، هذا الموت الذي كتبه عليهم، وجعله حكما واقعا على كل حىّ.. وهذه القرون، التي خلت من بعد نوح إلى اليوم، قد هلك أهلها جميعا، وهم أعداد كثيرة، تضمّ أمما وشعوبا لا يعلمها إلا الله، وقد مضوا جميعا إلى ربّهم، ليس معهم شىء مما كان لهم فى دنياهم، إلا ما عملوا من خير أو شر..

- وفى قوله تعالى: «وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً» ..- إشارة إلى أن علم الله محيط بكل ما عمل الناس، لا يعزب عنه مثقال ذرة مما عملوا..

وخصّ الذنوب بالعلم، لأنها هى الخطر الذي يتهدد الناس، حتى يحذروه، فيكتب لهم الأمن والعافية.. فإنه إذا توقّى الإنسان الذنوب، استقام على طريق الحق والخير، لأنها هى الوارد الذي يرد عليه ويفسد فطرته..

قوله تعالى: «مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً» .

العاجلة، هى الدنيا، وما فيها من متاع..

فمن قصر نظره على الدنيا، وعمل لها، ولم يلتفت إلى الآخرة.. فذلك هو كل حظّه، وهو حظ قدّره الله تبارك وتعالى له، لا أنّه جاء عن تقديره وتدبيره، وإرادته.. فليس كل من أراد الدنيا بمستجيبة له، وإنما الذي يستجاب له منها، هو ما أراده الله له..

وفى هذا ما يشير إلى أن طالب الدنيا قد بخس نفسه حظّها من الآخرة، حيث لم يعمل لها، ولم يصرف من همّه شيئا إليها، على حين أن طلبه للدنيا وحصر همّه فيها لم يجىء إليه بشىء إلا ما أراده الله له.. وهذا ما يشير إليه قوله

<<  <  ج: ص:  >  >>