محسنهم ومسيئهم..! فهذه النعم التي يتقلب فيها الذين لا يؤمنون بالله، هى من عطاء الله، ولكنهم فى عمى وفى ضلال:«وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً»(٤١: المائدة) ..
قوله تعالى:«انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا» - هو إلفات إلى هذه الدرجات المتفاوتة بين الناس، فيما أمدهم به الله سبحانه وتعالى فى هذه الدنيا.. فهم ليسوا على حظ واحد فيما نالوا من حظوظ الدنيا.. إذ فيهم من وسّع الله له فى الرزق، فملك القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وفيهم من لا يملك إلا ثوبا مرقعا وكسرات من الخبز.. وبين هؤلاء وأولئك درجات..
هذا كلّه فى الدنيا.. الناس على تفاوت كبير فى حظوظهم منها.. وهم فى الآخرة كذلك، درجات متفاوتة، وحظوظ متباينة.. فريق فى الجنة، وفريق فى السعير.. وأهل الجنة درجات، وأصحاب النار دركات.. وشتّان ما بين الدنيا والآخرة، وما بين النار والجنة.. «وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا» .. إنها دار البقاء والخلود.. «فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ»(١٨٥: آل عمران) .
الخطاب للنبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- وهو خطاب عام يشمل الناس جميعا، إذ كان صلوات الله وسلامه عليه- إمام الإنسانية، ورسولها، وفى توجيه هذا النّهى للنبىّ ما يشير إلى خطر الأمر المنهىّ عنه، وإلى أنّه إن وقع من إنسان- أي إنسان- حبط عمله، وساء مصيره..
وفى التعبير عن سوء المصير، بالقعود، ما يشير إلى فداحة الخطب، وأنه من الهول بحيث ينهار معه بناء الإنسان، وتنحلّ قواه، فلا يقدر على الحركة،