للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رأينا كذلك مفهوم قوله تعالى «الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ» وأشرنا إلى ما تشير إليه لفظة «مرتان» من أن الطلاق ليس مجرد تلفظ بكلمة الطلاق، بل هو عمليّة قاسية، وأنه ليس عملية واحدة، بل هو عمليتان موجعتان.. قلنا هذا أو نحوه وهو شىء قليل مما يمكن أن يقال! ولكن انظر كيف وقع مفهوم هذه الآية الكريمة فى العصر الذي أشرنا إليه، عصر تدوين التفسير، والفقه، وما كان لأحداث العصر من أثر فى إعطاء الآية الكريمة هذا المفهوم! كان الخلفاء يأخذون البيعة من الناس لأولياء العهد من بعدهم، لمن يختارونه من أبنائهم، وإنهم لكى يسدّوا على المبايعين منافذ التحلل من تلك البيعة، كانوا يوثقونهم بأيمان مغلظة لا يستطيعون الفكاك منها..

ومن هذه الأيمان يمين الطلاق! فكان فيما يحلف به المبايع أنه إن تحلل من هذه البيعة التي بايعها فكل نسائه طالق ثلاثا! على اعتبار أن التلفظ بأعداد الطلاق الثلاث مرة واحدة هو الطلاق الباتّ الذي لا رجوع فيه.. وبهذا تصبح المرأة طالقا بمجرد الحنث فى هذا اليمين..

وعلى هذا أصبح الحكم الشرعىّ للطلاق عموما هو أن يحسب الطلاق بالعدد الملفوظ به، طلقة واحدة، أو اثنتين، أو ثلاثة، وبهذا يمكن أن يقع الطلاق البات، وتنفصم عرا الحياة الزوجية فى لحظة واحدة بكلمة واحدة! وأغرب ما فى هذا المفهوم الخاطئ للطلاق، أنه يحتسب «الطلاق» يمينا يحلف به، مع أنه إجراء أو عملية، يتم بها الانفصال بين الزوجين، كما تم الاتصال بينهما بعملية مماثلة فى الزواج، وإن كانت عملية الاتصال بين طرفين، وعملية الانفصال من طرف واحد.. فذلك لا يعدو أن يكون فسخا من جانب واحد لعقدتم بين طرفين. وهذا أمر جائز فى بعض العقود، كعقد الهبة، وعقد الوصية.

<<  <  ج: ص:  >  >>