بعد أن نهت الآية السابقة عن قتل الأولاد بيد الآباء، صيانة للنفس من حيث هى نفس، ورعاية لهذه الصلة الوثيقة، وتلك الرابطة القوية التي تربط بين الآباء والأبناء- جاءت هذه الآية ناهية عن قتل النفس- أىّ نفس- لتلك الاعتبارات التي تمسك يد الآباء عن قتل أبنائهم.. فالناس جميعا أبناء نفس واحدة، وإن تفرقوا شعوبا وقبائل، واختلفوا ألسنة وألوانا.. فكما تقوم بين الآباء والأبناء صلة الدم التي تحجزهم- أو من شأنها أن تحجزهم- عن قتلهم، كذلك تقوم صلة بين الإنسان وأخيه الإنسان، من شأنها أن تكفّ يده عن قتله..
- وفى قوله تعالى:«إِلَّا بِالْحَقِّ» قيد وارد على النهى المطلق، وهو أنه وإن كان للنفس الإنسانية هذه الحرمة التي تعصمها من القتل، فإن هناك بعض النفوس ترفع عنها هذه العصمة فتستحق القتل، وذلك حين يستخفّ صاحبها بنفس غيره، ويستبيح دمه.. هنا يكون القصاص، ويكون قتل القاتل، حقّا مشروعا.. فذلك هو العدل الذي إن لم يستقم ميزانه بين الناس على هذا الوجه، اضطرب أمنهم، وشاع الفساد فيهم.. والله سبحانه وتعالى يقول:
«وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ» وتقتل النفس كذلك، وقتلها حق، فى حال الكفر بعد الإيمان، والزنا مع الإحصان. فالكفر بعد الإيمان عدوان على الله، وإهدار لآدمية النفس التي لبست الإيمان، ثم خلعت هذا اللباس وارتدت الكفر.. إنها كانت حيّة بالإيمان، فأماتها صاحبها بالكفر، فكان