الأرض، حيث يأخذ كل مخلوق حظّا مقدورا له.. فيجىء على صفة خاصة، وفى وقت معين، ومكان محدود.. فيكون فى عالم الأرض، أو السماء، ويكون نباتا، أو حيوانا أو جمادا، ويكون كوكبا أو ملكا.. وكلّ مخلوق من تلك المخلوقات، هو فى عالمه، وفى جنسه، آخذ وضعا خاصا به، لا يشاركه فيه غيره من عالمه، أو جنسه! تلك هى سنة الله فى خلقه: الإبداع فى الخلق، والتّباين بين المخلوقات..
ثم بيّنت الآية بعد هذا صورة من صور التباين والاختلاف بين جماعات، هم من صفوة خلق الله، وهم الأنبياء.. فالأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- وهم فى هذا المقام الكريم، وفى تلك المنزلة العالية- ليسوا على درجة واحدة، وفى مقام واحد.. وإنما هم درجات عند الله.. وإن كانوا جميعا فى مقام القرب، وفى منازل الرضوان..
وهنا سؤال، وهو: لماذا اختصّ داود عليه السّلام بالذّكر، هو والزبور الذي آتاه الله إياه؟ وداود- عليه السلام- لم يكن فى منزلة إبراهيم، خليل الله، ولا موسى كليم الله، ولا عيسى كلمة الله، ولا محمد خاتم رسل الله. ولم يكن الزّبور فى منزلة التوراة أو الإنجيل أو القرآن.. فما تأويل هذا؟
الجواب على هذا- والله أعلم- أن داود عليه السلام، هو النبىّ الذي جمع الله سبحانه وتعالى له الملك والنبوة معا، كما جمعهما لابنه سليمان من بعده.. أي أن الله قد جمع له الدنيا والآخرة جميعا، فآتاه للدنيا خير ما فيها، وهو الملك، وآتاه للآخرة خير مالها، وهو النبوّة.. ولهذا يقول تبارك وتعالى مخاطبا إياه:
«يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» .. ولهذا أيضا لم يكن داود عليه السلام صاحب كتاب يحمل شريعة، وإنما كان الزّبور الذي آتاه الله إياه، صلوات وتسابيح، يمجّد