هذا لم تبصره أبصار الضالين، ولم تطمئن به قلوب المشركين، بل إن ذلك قد زادهم نفورا عن الهدى، وبعدا عن الحق.. شأنهم فى هذا شأن كثير من الهوامّ والحشرات التي يأخذ ضوء النهار على أبصارها، فتفرّ من كل مكان يلوح منه ضوء! قوله تعالى:«وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً» .
هذا بيان لما كان عليه المشركون من عناد ومكابرة فى الحق.. فهم إذ عموا عن آيات الله، وإذ لم يروا منها ما يراه أهل السلامة والعافية، لم يتّهموا أنفسهم، ولم ينظروا إلى هذا الداء المتمكن منهم، فلجّ بهم فى الضلال، وساقهم إلى هذا التيه الذي هم فيه، بل اتهموا القرآن نفسه، وقالوا:«إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ»«إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها، فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا» ثم راحوا يتحدّون النبىّ، ويقترحون عليه فى مجال التحدّى أن يأتيهم بآيات مادّية يرونها بأعينهم، ويلمسونها بأيديهم..
- «وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً» .. فهذه واحدة من مقترحاتهم.. أن يفجر لهم ينبوعا من الأرض يتدفق منه الماء، كما فعل موسى مع بنى إسرائيل بعصاه.
وأخرى.. هى أن تكون للنبىّ جنة من نخيل وعنب، تجرى من تحتها الأنهار فى وسط هذه الصحراء الجديب.. «أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً» ..
وثالثة.. هى أن يسقط عليهم السّماء، فتطبق على الأرض وتحيلهم وديارهم ترابا فى ترابها.