آخر كوكبة فى مواكبه، وآخر ضوءة بين السماء والأرض- أذّن مؤذّن الحق:
«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» وعندها صافح النبىّ هذا الوافد الكريم، فى موكبه الحافل، وسناه المشرق، ثم ودّعه، لينتقل هو- صلوات الله وسلامه عليه- إلى الرفيق الأعلى، وليقيم القرآن فى الناس مقامه، حيث يجتمع عليه المسلمون، ويستقبلون من آياته وكلماته إشارات الهدى، إلى حيث الفلاح والنجاة، فى الدنيا والآخرة جميعا..
- وفى قوله تعالى:«لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ» وفى تعدية الفعل «قرأ» بحرف الجرّ «على»«على الناس» بدلا من اللام: «للناس» . إشارة إلى علوّ هذا القرآن، وأنه بحيث يشرف عليهم من عليائه، فيملأ وجودهم نورا، وألقا، وبحيث يكشف لهم كلّ خفيّة، إذا هم جعلوا أبصارهم إليه، ووجهوا عقولهم وقلوبهم له.. فلا تعمّى عليهم المسالك، ولا تتفرق بهم السبل، وفى هذا يقول الرسول الكريم «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنّتى» .
- وفى قوله تعالى:«وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا» بيان للأسلوب الذي نزل به القرآن خلال هذا الزمن الذي نزل فيه، وأنه نزّل تنزيلا.. أي نزل شيئا شيئا، وهذا يعنى أن القرآن الكريم وإن تلقّاه النبىّ آية آية، وآيات آيات، وسورة سورة- فإنه فى جميع أحواله تلك، هو القرآن الكريم كلّه.. ففى الآية الواحدة، أو الآيات، يعرف القرآن الكريم، ويعرف أنه كلام ربّ العالمين، وأنه المعجزة القاهرة المتحدية، التي تقصر دونها أيدى البلغاء، وتخضع لجلالها رقاب الفحول من الشعراء والخطباء! فالآيات القليلة التي تلقّاها النبىّ فى صدر دعوته، كانت صورة مصغرة