وهو ما ينبغى أن يؤديه العبد لسيده ومالك أمره- هنا يبدأ زكريا يعرض حاجته، ويكشف عن الحال الداعية إلى هذا الطلب، الذي مدّ به يده إلى ربّه..
إنّه لا ولد له، والولد رغيبة تهفو إليها نفوس الآباء والأمهات، لا فرق فى هذا بين إنسان وإنسان، حيث يجد المرء فى الولد امتدادا لحياته، وروحا لروحه، وأنسا لقلبه..!
وقد كان زكريا- شأنه شأن كل رجل- يرجو أن يكون له ولد من صلبه، يتلقّى عنه رسالته فى الحياة من بعده، وهاهوذا قد بلغ من الكبر عتيّا، ولم يرزق الولد، وهو يرى من أهله وقرابته، من ينتظر موته ليرث مخلّفاته، وكانوا شرار بنى إسرائيل.. فحزن لهذا، واشتدت رغبته فى الولد، ليقطع به على هؤلاء الطامعين فيه، والمتعجلين موته- آمالهم.. ولكن أنّي يكون له ولد، وقد بلغ من الكبر ما بلغ، إلى ما عليه امرأته من عقم؟
ولم يكن بين يدى زكريا إلّا هذه الخواطر، يردّدها فى صدره، ويتعزّى بها بينه وبين نفسه، ويدعو ربّه أن يجعل من هذه الخواطر، واقعا فى يده.
- وفى قوله:«يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» .. ما يسأل عنه.. وهو:
كيف يطلب أن يكون له ولد يرثه، والأنبياء لا تورث.. كما فى الحديث:
«نحن معاشر الأنبياء لا نورث.. ما تركناه صدقة» ؟
والجواب على هذا، هو أن الميراث، هنا ليس ميراث مال، ولا متاع، وإنما هو ميراث خلافة، يقوم فيها الخلف مقام السّلف.. حيث يكون الولد وارثا لاسم أبيه، وأصلا سلسلة النسب الممتدة من الأجداد، إلى الآباء، إلى الأبناء..