وانظر فى قوله:«يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا» .. كيف يدعوه باسم «الرَّحْمنِ» ويحذره مما هو فيه من منكر غليظ، لا تناله فيه رحمة الرحمن، تلك الرحمة التي وسعت كل شىء..!
فإذا كان «الرحمن» لا يرحمه فى تلك الحال التي هو فيها، فكيف بالله، المنتقم، الجبار؟؟
إنه مدعوّ الآن إلى الرحمن من رب رحيم، فإذا لم ينته عن غيّه وضلاله، فإن مع هذه اليد الرحيمة، يد النقمة والبلاء حيث يصبح وإذا هو من أولياء الشيطان وأتباعه.. وليس للشيطان وأولياء الشيطان إلا الخزي والبلاء العظيم..
وثانيا: وكما هو الشأن دائما فى أهل الضلال، وأصحاب الشناعات..
إنه لا يجىء منهم إلا ما هو منكر وشنيع، من قول أو فعل.. وهذا داء مستحكم فيهم، لا يجدى معه لين، ولا تخفف من حدته عاطفة رحم وقرابة..!
فها هو ذا الأب الضال العنيد، يلجّ فى ضلاله، ويستبد به كفره، فلا تندّ منه قطرة من عاطفة نحو ابنه، ولا يلقى هذا النداء الذي ينادى به بأحب اسم يسمعه الآباء من أبنائهم:«يا أَبَتِ» - لا يلقى هذا النداء عنده أذنا تصغى إليه، ولا قلبا ينفتح له.. وإذا هذا الأب الضال العنيد يرجم ابنه البار الرحيم، بهذا القول المنكر الغليظ:
«يا إِبْراهِيمُ.. لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ.. وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا» ! هكذا يقولها «يا إِبْراهِيمُ» .. ولم يقل يا بنى، أو يا ولدي.. ثم يتبع ذلك بهذا التهديد:«لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ..» !! أهكذا تبلغ غلظة القلب، وعمى البصيرة، حتى تنزع من صاحبها كل عاطفة، وحتى يجد الأب اليد التي تطاوعه