للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعتىّ: العتو، والمشاقّة، والخلاف القائم على الظلم..

والصّلىّ: الاصطلاء بالنار والقرب منها، والمراد به هنا: الاحتراق بها..

والآيتان تصوران بعض مشاهد القيامة، وما يقع للظالمين، والضالين، من أهوال فى هذا اليوم العظيم..

ففى هذا اليوم يحضر المجرمون جميعا، حول جهنّم، جاثين على ركبهم، حيث لا يستطيعون القيام على أرجلهم، مما أصابهم من هول، انحلّت به عزائمهم، وانهدّت منه قواهم، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: «فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ» (٤٥: الذاريات) .. ثم إذا اجتمع جمع هؤلاء المجرمين حول جهنم، انتزع من بينهم أئمة الضلال فيهم، وقادة الكفر منهم، ثم يلقى بهم فى جهنم، حيث يشهد أتباعهم بأعينهم ما يلقون من بلاء، سيلقونه هم عما قليل، وحيث يرى هؤلاء الأئمة أن زعامتهم وإمامتهم فى الدنيا، لم تكن إلّا وبالا عليهم، وأن أتباعهم أحسن حالا منهم، وأن مواقع الضّلال والفتن، وإن كانت كلها سوءا ووبالا، فإن المتأخر فيها خير من المتقدم، والتابع أدنى إلى السلامة من المتبوع..

وفى المثل: «كن فى الفتنة ذنبا» ! - وفى قوله تعالى: «أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا» - فى هذا ما يسأل عنه..

وهو: لم عدّى المصدر «عتىّ» بحرف الجرّ «على» الذي يفيد الاستعلاء..

بمعنى «أيهم أشد عتيّا على الرحمن» .. وكان يمكن أن يكون النظم هكذا:

«أيهم أشد للرحمن عتيّا» بتعدية المصدر بحرف الجرّ «اللام» الذي يفيد الملك، ثم التفلّت من هذا الملك!! فما سرّ هذا؟

نقول: - والله أعلم- إنّ ذكر الصفة الكريمة «الرحمن» هنا، دون صفات المولى جلّ وعلا، كالقوىّ والعزيز، والقادر- إن هذا يشير إلى شناعة هذا الجرم الذي يتلبس به المجرمون، ويتخذون به موقفا معاديا، ومحاربا،

<<  <  ج: ص:  >  >>