وتبدأ القصّة بهذا الاستفهام، الذي يثير أشواق النفس إلى الاستماع للجواب عن هذا السؤال المثير:
«وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً» أي لمحتها، وفى التعبير عن رؤية النار بالفعل «آنست» الذي يدلّ على الأنس بها، والبشاشة بوجودها، ما يشير إلى أن موسى كان فى وحشة ليل بهيم، فى هذه الصحراء التي لا أحد فيها.. فهو فى وحشة الليل، ووحشة الوحدة.. فلما رأى النار، وجد شيئا من الأنس والطمأنينة، لأن النار لا بد أن يكون عندها من أوقدها.. وكان موسى قادما من مدين إلى مصر ومعه زوجه بنت شعيب عليه السلام.
«لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً» .. فهو إذ يتجه إلى حيث تشتعل النار، إنما يرجو أن يأتى منها «بقبس» أي شىء من الحطب المتّقد، أو يجد عند النار من يدلّه على الوجهة التي تتجه به إلى مصر..
وفى قوله:«عَلَى النَّارِ» بدلا من «عند النار» إشارة إلى أن الوقت كان بردا، وأن من يوقد النار إنما كان يوقدها ليستدفئ بها ويعلوها..
وما كاد موسى يبلغ النار، حتى نودى من قبل الحقّ جلّ وعلا:
«يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ.. فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ» تأدبا، لأنك فى مقام تخاطب فيه ربّك ويخاطبك.. «إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً» أي بالوادي المبارك، المطهّر، الذي باركه الله وطهّره بمناجاتك فيه..
وطوى: هو اسم البقعة من هذا الوادي، أو هو نفس الوادي.