سبحانه وتعالى فى كيانه من قوّى عاقلة مدركة- بأن يتجنب الشر، ويتجه إلى الخير، وأن يتنكب طرق الضلال، ويأخذ طريق الهدى، وبذلك يكون مهيئا تلقائيّا للقاء الآخرة، وللفوز برضوان الله فيها.. أما من زهد فى عقله، وتنكر لفطرته، فركب طريق الغواية والضلال، فإن ما يلقاه فى الآخرة من عذاب وبلاء، هو الجزاء العادل الذي يستحقه.
وهذا يعنى أنه إذا لم تكن هناك آخرة، أو حساب وجزاء- فإنه كان جديرا بالإنسان أن يحاسب نفسه، ويقيمها على ما هو أكرم لإنسانيته، وأحفظ لقدرها وكرامتها..
- وقوله تعالى «أَكادُ أُخْفِيها» أي أكاد ألّا أنبئ أحدا عنها، وألا يقع فى حساب الناس أنها آتية، حتى يعمل كل بما فى طبيعته، وحتى يجزى كل بما هو أهل له، إذا جاء يوم الحساب، على غير حساب أو انتظار من الناس.
ولكن رحمة الله بعباده، قد شملتهم، فأنذروا بهذا اليوم قبل أن يقع، وحذّروا بما فيه من نكال وبلاء للضالين والمنحرفين، ووعدوا بما فيه من خير ونعيم ورضوان، للمؤمنين المتقين..
«فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى» وفى هذا إشارة إلى بنى إسرائيل، وتعريض بإيمانهم بالآخرة، إذ كان إيمانهم بها إيمانا غير مستيقن.. وإنما هو متلبس بالشكّ، والظنون.. ذلك أنهم لا يؤمنون إلّا بما هو مادىّ، يجبه حواسّهم، وفى هذا يقول الله عنهم:
«وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً»(٥٥: البقرة) يقولون هذا عن الله وآيات الله تنزل عليهم من السّماء، يرونها رأى العين، ويعيشون فيها، فكيف بيوم القيامة وليس فى أيديهم شىء منه؟