حتى دخله المسلمون جميعا، وانقسموا إلى فرق وطوائف، ولكل فرقة مقولاتها ولكل طائفة حججها.. حتى كان من ذلك الجدل محصول وفير من الكلام!! ولا نريد أن نعرض لهذا الجدل، فهو مبسوط فى كتب علم الكلام «١» .
والذي نحبّ أن نقرره هنا.. هو أن الإسلام يوجّه اهتمامه أولا وقبل كل شىء، إلى مجاهدة الشر الذي يعيش فى مجال الناس فعلا، وإلى محاولة التغلب عليه، والانتصار للخير، والانحياز إلى جانبه.. فذلك هو الجدير بالإنسان، من حيث هو إنسان، يحترم عقله، ويستهدى بقلبه، ومن حيث هو كائن اجتماعي، يعيش فى المجتمع الإنسانى.. ومن خيره وخير الجماعة أن يكون عضوا فى هذا المجتمع الكبير، يسعد بسعادته، ويشقى بشقائه..
إن الإسلام، لا يضع الشرّ فى مجال العدم بالنسبة للخير، بل يراه كيانا قائما بذاته إزاء الخير.. فللشر- فى نظر الإسلام- ذاتية قائمة فى الحياة، وعلى الناس أن يأخذوا حذرهم منه، وأن يعملوا له حسابا فى موازنة الأمور التي تعرض لهم.
لقد حاول كثير من مفكرى الإسلام، أن يهوّنوا من شأن الشرّ، وأن يجعلوا وجوده فى الحياة، شيئا عارضا، يجىء فى ثنايا الخير! وكأنهم أرادوا بهذا أن يبرّئوا صنع الله من هذا النقص، الذي يلحق بالوجود، إذا قيل إن الشرّ قد نجم فيه!! وهذا دفاع غير موفق.. إذ أنه ينكر أمرا واقعا يعيش فى الناس.. وهو الشرّ.. وكان خيرا من هذا الدفاع أن يعترفوا بالشر.. ولكنه شرّ لا يرتفع
(١) انظر فى هذا كتابنا «القضاء والقدر.. بين الفلسفة والدين» .