للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الأشياء حوله؟ إن هذا المنطق يقضى بأن يغمض الإنسان عينيه، ثم يضع يده على كتف أي ذى عينين، ليقوده ويتبع خطاه! هكذا فى تهكم وسخرية، يلقون هذا المنطق المشرق.. وهكذا يستقبلون الجدّ بهذا الهزل الأحمق.

«قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ» .

لقد أضرب إبراهيم عن سخفهم هذا، وقطع عليهم الطريق إلى هذا الهزل الذي أرادوا أن يسوقوه إليه، ومضى يقرر الحق الذي يدعوهم إليه: «رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ» هذا هو الربّ الذي يجب أن يعبد، وإن كان لا يرى، فإن آثاره تدل عليه، وتشهد على عظمته، وجلاله، وقدرته وعلمه، وقد آمن إبراهيم بهذا الإله، وشهد شهادة الحق له..

«وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ» ..

لقد أسرّ إبراهيم ذلك فى نفسه، وأراد أن يريهم هذا القول فى صورة عملية، بعد أن لم يجد القول آذانا تسمع، أو قلوبا تعى.. فهذا هو الأسلوب الذي يمكن أن يعامل به الأطفال، وصغار العقول من الرجال..

وقد صدّر إبراهيم النية التي انتواها فى شأن الأصنام، بالقسم، حتى يؤكد هذه النية التي صح عليها رأيه فى هذا الموقف، وحتى لا يرجع عنها إذا هو زايل موقفه هذا، وبردت حرارة الموقف!.

والكيد للأصنام، هو إعمال الحيلة، وإحكام التدبير فيما يريده بها.

«فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ» .

وهكذا كان إبراهيم وتدبيره.. لقد دخل على مرابض الأصنام فى غفلة من عابديها، ثم أعمل فيها يده تحطيما، وتكسيرا، حتى جعلها «جُذاذاً»

<<  <  ج: ص:  >  >>