فهب أن طائفة من هذه الطوائف، خلت بطعام فالتهمته، أو وقعت على شجرة من أشجار الفاكهة فأتت عليها- أيكون فى مستطاع أحد أن يستردّ ما أكل الذباب؟ ذلك محال..
وفى التعبير عن أكل الذباب «بالسلب» إشارة إلى أن ما أكله لم يكن عن رضى من أصحاب هذا المأكول.. فهو أشبه بالسلب والغصب، وفى هذا إظهار لضعف الإنسان، ووقوعه تحت بأس هذا المخلوق الضعيف، الذي يعدّ أضعف ما خلق الله، فى عالم الأحياء! وفى قوله تعالى:«ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ» تعريض بالإنسان، وبغروره الذي يخيّل إليه أنه يخرق الأرض أو يبلغ الجبال طولا.. إنه والذباب على سواء، كلاهما عاجر ضعيف.. وإن كان الذباب- فى بعض الأحوال- أقوى منه، وأقدر على الكيد له! وليس هذا التصوير لضعف الإنسان، استخفافا به، وإطفاء لجذوة الطموح المتّقدة فى كيانه، وإنما هو استشفاء للإنسان من داء الغرور، الذي كثيرا ما يستبدّ به، ويفسد عليه وجوده، فإذا هو- وقد استوى على ظهر الغرور- قوة غاشمة، وإعصار مجنون، وعاصفة هو جاء، تهلك الحرث والنسل، حتى إذا انطلقت إلى غايتها دارت حول نفسها دورة، ثم هوت كما تهوى الصاعقة فى الوحل والطين! إن الإسلام ليستقبل كل ما يفتح به العلم للناس من أسرار الوجود، فى حفاوة وإعزاز، إذ كان ذلك- كما قلنا- هو الطريق المستقيم إلى الله، وهو الذي يقيم العقول والقلوب على الإيمان بالله، إيمانا مصفّى من كل ريب، مبرأ من كل ضعف.. فهذا الكون هو كتاب مفتوح لكل ناظر، وآيات الله المبثوثة فى هذا الوجود، هى مراد لأنظار العلماء، ومسبح لخواطرهم ومداركهم..