إن من فى السموات ومن فى الأرض، من عوالم ومخلوقات كبيرة أو صغيرة، عاقلة، أو غير عاقلة، حيّة أو جامدة.. كلها تسبح بحمد الله، وتنقاد لمشيئته، وتخضع لأمره.. إلّا هذا الصنف الشقىّ الضالّ من بنى الإنسان! وإن هؤلاء الأشقياء، لفى عزلة عن هذا الوجود، بل وفى حرب معه.. إنهم أشبه بجماعة من الخارجين على نظام المجتمع والعابثين بحرماته ومقدّساته..
فالمجتمع كله حرب عليهم، وإنهم لن يفلتوا من عقابه!.
وتسبيح الكائنات بحمد الله، هو فى جريانها على سنن الله التي أقامها عليها.. فهى لا تخرج أبدا عن هذه السّنن، ولا تفلت من عقد الوجود الذي انتظمت فى سلكه، وكانت حبّة من حبّاته.. «لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ!»(٤٠: يس) وفى هذا انقياد لله، وولاء له..
والإنسان وحده- فيما يظهر لنا- هو الذي منحه الله إرادة عاملة، ومشيئة تسمح له بأن يختار الطريق الذي يرضاه، دون قهر أو إلزام..
وليست كذلك الكائنات الأخرى، التي لا تملك هذه الإرادة، ولا تجد تلك المشيئة، إنها مسخّرة، على حين أن الإنسان مخيّر ومريد.. إنها لا تملك من أمرها شيئا، على حين أن الإنسان هو سيد نفسه، ومالك أمره.. وهذا تكريم من الله له، إذ جعله سبحانه وتعالى على صورة أقرب إلى صورته، فجعله مريدا، عالما، مختارا.. كما يشير إلى ذلك الحديث:«خلق الله آدم على صورته» .
وهذا التكريم، هو ابتلاء لآدم، وهو الأمانة التي حملها، وأبت السموات والأرض أن يحملنها وأشفقن منها.. وكان عليه أن يثبت لهذا الامتحان، وأن يؤدى الأمانة التي حملها، حتى يكون أهلا لهذا التكريم،