فنقول- والله أعلم- إن الضمير فى قوله تعالى:«الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ» يراد به المقترضون بالربا، وهم- كما قلنا- الذين يأكلون هذا المال المقترض، ويستهلكونه فى الأمر أو الأمور التي اقترضوا من أجلها.
ويسند هذا الرأى أن المقرض- وهو المرابى- لا يأكل المال الذي أقرضه بالرّبا، ولا يستهلكه، وهذا ما ينطق به ظاهر اللفظ «يأكلون» والحمل على الظاهر أولى، ولا يصار إلى غيره إلا عند ما يكون للظاهر وجه مقبول! هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإننا لو نظرنا فى الصورة كلها على هذا الوجه، لبدا لنا أن آكلي الرّبا، وهم المقرضون- على ما ذهبنا إليه- قد رهقهم الدّين، وأثقلهم حمله، وأنهم أصبحوا فى يد المرابى كالسمكة فى شبكة الصياد، كلّما ضربت برأسها وذنبها فى الشبكة لتجد طريقا إلى الخلاص كلما اشتد ضغط الشبكة عليها وإمساكها بها.. فالمقترض بالربا قد علقت به حبائل المرابى، وكلما أراد أن يفلت من يده، ويتخفف من الدين الذي أثقله به كلما ازداد إحكام يده عليه، وتضاعف الدين الذي كان ينوء به! والصورة التي رسمها القرآن الكريم لآكلى الربا من المقترضين أحكم إحكاما، وأردع روعة من كل صورة تكشف عن حال هؤلاء المقترضين وسوء المصبر الذي يتخبطون فيه! «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ» .
إنهم كلما أرادوا أن يقوموا من هذا الهمّ الثقيل الذي أقعدهم وأعجزهم عن السير فى ركب الحياة مع الناس، تخبطوا واضطربوا، فقاموا ثم قعدوا،