وثانيا: أن المسلم- فى أىّ زمن- لا يؤدى فريضة الحجّ إلا بعد أن يكون قد تمرّس بالإيمان، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان.. وكثيرا ما يكون ذلك زمنا طويلا يمتدّ إلى عشرات السنين.. فإذا جاء إلى الحجّ، والتقى بأعماله، لم يكن فى خاطره أية طرفة يطرف بها إلى أماكن الحجّ وأشيائه، إلا على أنها من شعائر الله، وأنها معلم من معالم الله- سبحانه- على هذه الأرض، وأن تعظيمها هو تعظيم لله، ومبالغة فى الامتثال لأمره، حيث يقوم التعامل بين الحاج وبين ذوات أشياء هى من آيات الله.. وإنها فى هذا لأشبه برسله، «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ»(٨٠: النساء) .
وثالثا: فى قوله تعالى: «فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ» إشارة إلى أن تعظيم هذه الشعائر، هو تعظيم لله، يتجلّى فيها درجة إيمان المؤمنين، وينكشف بها ما عندهم من تقوى.. إذ كانت هذه الأعمال- كما تبدو فى ظاهرها- ما عندهم من تقوى.. إذ كانت هذه الأعمال- كما تبدو فى ظاهرها- خارجة عن منطق العقل..! والإيمان- فى حقيقته- هو حبّ خالص لله، والحبّ إذا كان صادقا، لا يسمع صوت العقل، ولا يستجيب له، وإنما يتلقى من القلب، ما يحدّثه به، ويدعوه إليه.. ولهذا جاء قوله تعالى:«فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ» ليكشف عن أن تعظيم هذه الشعائر، وإتيانها فى إيمان وإخلاص، وحب وشوق- إنما هو من وحي القلوب، ومن خفقات الإيمان الثابت فيها، ومن إشارات التقوى المتمكنة منها.. وفى الكلمة المأثورة عن عمر بن الخطاب، وهو يقبّل الحجر الأسود حين قال:«أعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقبّلك ما قبلتك» - فى هذه الكلمة ما يكشف عن هذا الحبّ لله، ولرسول الله، ومتابعته فى كلّ قول، وعمل، وإن جاء هذا القول أو العمل، فوق مدارك العقول! .. ومن أجل هذا فقد وقف القرآن الكريم هذه الوقفات الطويلة