فصاحب هذا المال، وهو المرابى، يوجه مآله إلى هذا الوجه، يريد له النماء والكثرة، ويبغى منه الثروة والغنى.
وقد أخبر الله سبحانه أنه لا يبارك هذا المال، ولا يزكىّ الوجه الذي اتجه إليه.. «يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا» والمحق هو المحو والإزالة، بحيث لا يبقى أثر لما يمحق.
والمراد هنا بمحق الرّبا، أن هذا المال الذي يجمع من وجوه الرّبا مصيره الزوال، وأنه إذا كان له مع صاحبه شأن فى هذه الدنيا، فإنه لا يجد منه شيئا بين يديه فى الآخرة، على حين أن المال المتصدّق به، وإن كان قليلا، فإنه ينمو النماء الحقيقي، الذي لا يفنى بفناء صاحبه، ولا يذهب بذهاب الدنيا كلها، بل يظل هكذا فى ازدهار ونماء، حتى يستقبل صاحبه يوم القيامة، فيكون له زادا طيبا فى هذا اليوم العظيم، كما قال تعالى:
«مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» وكما يقول الرسول الكريم:
«إنّ الله ليربّى لأحدكم التمرة كما يربّى أحدكم فلوّه وفصيله حتى يكون مثل أحد» . والفلوّ: ولد الفرس، والفصيل: ولد الناقة.
قوله تعالى:«وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ» تعريض بالمرابين، وهم الطرف الثالث فى عملية الربا، وتمهيد لما سيأتى من حديث عنهم. فالمرابى كافر بنعمة الله، إذ وسّع الله له فى الرزق، حتى فضل المال عن حاجته، وكان من شأن هذا الفضل أن يعود به على ذوى الحاجة، صدقة أو قرضا حسنا، فلم يفعل، بل جعله سلاحا حادا مرهفا، لا يسلط إلا على رقاب المحتاجين والبائسين خاصة، فهو بفعله هذا قد حرم الفقراء وذوى الحاجة حقا لهم وضعه الله فى يده، ثم لم يقف عند هذا، بل صنع من هذا الحق شباكا يصطاد بها الفقراء وذوى الحاجة ثم يلقى بهم ليد الهلاك والضياع.. فهو كافر.. كافر بنعمة الله، ثم هو آثم