ولكن النظم القرآنى، خالف هذا، وجاء بالتعبير عن «الجعل» بلفظ «الخلق» .
فالنطفة لم تجعل علقة، وإنما خلقت علقة.. «ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً..»
والعلقة لم تجعل مضغة، وإنما خلقت مضغة.. «فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً..»
وهكذا المضغة، لم تجعل عظاما، وإنما خلقت عظاما.. «فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً..»
فما سر هذا؟ بل ما أسرار هذا؟ وماذا وراءه؟
السرّ فى هذا- والله أعلم- أن كلّ عملية من هذه العمليات، هى خلق جديد، لا يملكه إلا الخالق جل وعلا، وهو مما استأثر به سبحانه وتعالى وحده، فسمّى ذاته «الخالق» وأبى على خلقه أن يشاركوه فى هذه الصفة..
ومعنى هذا، أنه لا يمكن للإنسانية كلها- وإن اجتمعت- أن تنتقل بالإنسان فى هذه الأطوار من طور إلى طور.. وأن قدرة الناس- ولو اجتمعت- لا تستطيع أن تنتقل بالنطفة إلى العلقة، ولا بالعلقة إلى المضغة.. وهكذا..
إنها جميعها- كما قرر القرآن- عمليات «خلق» ، استأثر بها الخالق..
وإنها لمعجزة قرآنية متحدية، قائمة على التحدي فى كل زمان ومكان.. وإنه لن يأتى العلم أو العلماء- مهما بلغ العلم، واجتهد العلماء- بما يقف لهذه المعجزة المتحدية، على مدى الأزمان.
نقول هذا، لا لنحجر على العلم، ولا لنقف فى طريق العلماء، الذين يحاولون الوصول إلى «خلق» الكائن الحىّ.. بل نحن ندعو العلم، ونهيب بالعلماء أن يجروا فى هذا الميدان إلى غايته، وأن يتحدّوا هذه المعجزة المتحدية.. فتلك هى دعوة القرآن للكشف عن إعجازه، والدعوة إلى الإيمان بأنه تنزيل من ربّ العالمين..