ويستعمل الإتيان فى فعل الشر غالبا.. كما فى قوله تعالى:«أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ» وقوله: «وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ» ..
وقد جاءت الآية هنا بلفظ «الإيتاء» .. «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ» ..
وفى قراءة مشهورة:«والذين يأتون ما أتوا» .. ويقال لها قراءة النبىّ..
وعلى هذه القراءة يكون المعنى: والذين يفعلون المنكر، وهم على خوف وخشية من ربهم. فإنهم بهذا الخوف وتلك الخشية أهل لأن يكونوا فى هذه الأصناف التي ذكرها الله سبحانه وتعالى من أصناف المؤمنين.. إذ أن ما فى قلوبهم من وجل من لقاء ربّهم وهم على المنكر- سينتهى بهم يوما إلى النزوع عن المنكر، والوقوف عند حدود الله..
وقد يبدو فى ترتيب هذه الصفات تقديم وتأخير، وأنها لم تلتزم الترتيب الطبيعي، تصاعدا أو تنازلا..
فمثلا.. الإيمان بآيات الله.. ينبغى أن يسبق الخشية من الله، وكذلك عدم الشرك بالله، وهو سابق للخشية من الله، حيث لا تكون الخشية لله إلا من قلب مؤمن بالله، وبآيات الله.. وإنه لا بد لهذا من سر.. فما هو؟
الجواب- والله أعلم- أن هذه الصفات، وإن أمكن أن تلتقى جميعها فى قلب المؤمن بالله، إلا أن المؤمنين على حظوظ مختلفة منها.. فبعضهم تغلب عليه صفة الخشية من الله، وبعضهم يؤمن بآيات الله، ولكن تغلبه نفسه، فلا تتحقق الخشية كاملة من الله فى قلبه.. وبعضهم يعترف بوجود الله، ويقرّ بوحدانيته إقرارا عقليّا، كالفلاسفة ونحوهم. ولا يتلقون عن الرّسل، ولا يأخذون مما معهم من آيات الله.. وبعضهم يؤمن بالله، وبآيات الله، وبرسل