هذه الآية والآيات التي بعدها، تعرض بعض نعم الله على الناس، وموقف كثير منهم من هذه النعم.
وأعظم هذه النعم وأكرمها، السمع والبصر، والفؤاد، وهو القلب..
إذ أن هذه الجوارح هى التي تجعل الإنسان إنسانا، إذا هو انتفع بها، ووجهها الوجهة الصالحة، حين يرد بها موارد الخير، ويلقى بها فى محيط الوجود، فتجىء إليه بكل صيد ثمين طيب! وفى هذا الترتيب الذي جاء عليه نظم الآية:«أَنْشَأَكُمْ.. وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ.. وَالْأَبْصارَ.. وَالْأَفْئِدَةَ» - ما يحدّث عن كثير من الأسرار..
فأولا: قدّم الإنشاء، وهو الخلق العام للإنسان، على إيجاد السمع والبصر، الفؤاد.. إذ أن الوجود الإنسانى مقدم على ظهور هذه الحواس فيه..
وثانيا: قدم السمع على البصر.. لأن حاسة السمع تسبق حاسة الإبصار عند مولد الطفل، كما ثبت ذلك بالملاحظة.
وثالثا: قدم السمع والبصر على الفؤاد، وهو العقل، لأنه لا يكون للإنسان إدراك أو تمييز إلا بعد أن تعمل حواس الإنسان كلها، وتؤدى وظائفها، وتتوثق الصلات بينها وبين خلايا المخ.. ومن هنا يبدأ الإدراك والتمييز ويتخلّق فى الإنسان العقل أو الفؤاد، الذي ينمو شيئا فشيئا، حتى ينضج ويكتمل..
- وقوله تعالى:«قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ» هو خطاب للناس عامة، وأن قليلا منهم هم الذين يعرفون نعمة الله عليهم ثم يشكرونها.. أما كثرتهم الغالبة فهم فى غفلة عن هذه النعم، وفى شرود عن المنعم بها، وعن القيام بواجب الحمد والشكر.. وهذا مثل قوله تعالى:«وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ»(١٣: سبأ) .