أي أن هؤلاء المشركين لا يستعملون عقولهم، ولا ينظرون فى هذه الآيات الكونية التي بين أيديهم.. بل لقد أنكروا الحياة بعد الموت، وقالوا ما قاله آباؤهم من قبل.. قالوا: كيف نعود إلى الحياة مرة أخرى، بعد أن نصير ترابا وعظاما؟ ولو أنهم نظروا إلى الليل والنهار مثلا، لعرفوا أن النهار ينسخه الليل، ثم يعود النهار فيطلع من جديد ناسخا ظلام الليل.. وهكذا.. ليل ونهار، ونهار وليل! فمن عاش فى النهار، وملأ عينيه من ضوئه الوضيء.. ثم عاش فى الليل، ولفّه ظلامه الدّامس، لم يكن له- حسب تقديرهم هذا- أن ينتظر نهارا يطلع من أحشاء هذا الظلام الكثيف! لكن الذي يحدث، هو أن نهارا يطلع من كيان هذا الظلام، وكأن ليلا لم يكن! كذلك الحياة، والموت، ثم الحياة بعد الموت..
فهذا الإنسان الذي كان يملأ الدنيا حركة وسعيا، ثم تضمّه الأرض فى بطنها، ويدسّه التراب فى كيانه.. ليس بالشيء البعيد المستغرب- والشواهد ماثلة- أن يخرج من بين أحشاء هذا التراب إنسانا، كهذا الإنسان الذي كان! قوله تعالى:
«لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» .
هو تأكيد لقولهم الباطل الذي قالوه عن إمكان البعث.. وأن هذا البعث قد وعد به آباؤهم من قبل.. وها هم أولاء ما زالوا ترابا هامدا.. ثم إن هؤلاء يوعدون به.. وسيكونون بعضا من هذا التراب الهامد، مع آبائهم..
فما هذا الوعد عندهم، وحسب تطورهم، إلا من الخرافات والأساطير التي تعيش فى الناس من زمن بعيد ولا محصّل لها أبدا.