سؤال يسأله الحقّ جلّ وعلا، أهل النار، وقد أيأسهم من الخروج منها..
«كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ» .
وفى تمييز العدد بأنه سنون، وليس أياما ولا شهورا، مع أنه فى تقديرهم يوما أو بعض يوم، كما سيكون جوابهم بعد هذا- فى هذا كشف عن تلك المفارقة البعيدة بين حسابهم فى الدنيا لحياتهم، وما لبثوا فيها من سنين، وبين حساب هذه السنين فى الآخرة..
إنها ليست شيئا بعد أن طويت صفحتها، وذهب ريحها.. «فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ»(٣٨: التوبة) .. ولهذا كان جوابهم- حسب تقديرهم-: «يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ» .! وهكذا ما يمضى من عمر الإنسان.. إنه مهما طال وامتدّ، إذا نظر إليه فى يومه، كان شيئا قليلا.. يوما أو بعض يوم.. فكيف إذا نظر الناس إلى حياتهم الدنيا، وهم بين يدى هذا الهول العظيم يوم القيامة؟ «كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ»(٣٥: الأحقاف) .
وفى قولهم:«فَسْئَلِ الْعادِّينَ» ما يكشف عن سوء حالتهم، وأنهم فى ذهول لا يدرون معه من أمرهم شيئا.. فلقد ذهب الهول بعقولهم، فلا يدرون ماذا يقولون.. إنهم ليسوا أهلا لأن يسألوا، وأن يجيبوا على ما يسألون عنه..
ويجيئهم الجواب الذي تاه من عقولهم، وضلّ عن إدراكهم.. «إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا» أي ما لبثتم إلا قليلا.. «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» أي لو كان عندكم عقل ونظر لعلمتم هذا وأنتم فى دنياكم، ولما شغلكم هذا القليل الزائل، عن آخرتكم الباقية الخالدة..