جاء صاحبه ليردّ شهادته عليه، قام من كيانه شهود أربعة، كلها تصدق هذا اللسان، الذي لم يصدق أبدا إلا فى هذا الموقف! وهذا هو بعض السر فى تقديم اللسان على الأيدى والأرجل فكأنه هو المدّعى، وكأن شهوده على دعواه..
اليدان والرجلان! ثم إنما قامت الشهادة عليهم، أخذوا بذنبهم، جزاء وفاقا.
تعرض الآية الكريمة هنا دليلا من واقع الحياة، يشهد لما نطقت به الآيات من براءة أم المؤمنين، مما رمتها به الألسنة الآثمة من زور وبهتان..
فالسيدة عائشة، نبتة طيبة، نبتت فى بيت طيب، لم يعرف عنه فى الجاهلية شىء مما كان يأتيه الجاهليون، من استعلان بالفجور ومباهاة به.. بل كان هذا البيت، أشبه بنسمة رقيقة، بين هذه العواصف التي تدوّم وتصخب فى بيوت الجاهلين، من سفك دماء، واعتداء على الحرمات، حتى إذا جاء الإسلام كانت أول يد تصافحه، وأول قلب يتفتح له، هى يد أبى بكر الصديق، وهو قلب أبى بكر الصديق.. وما ذاك إلا لأن طبيعته كانت مسلمة، أو أقرب إلى الإسلام، من قبل أن يجىء الإسلام، حتى إذا كان أول صوت يؤذّن بدعوة الإسلام، كان أبو بكر أول المستجيبين له، والمتجهين إليه، حتى لكأنه كان على توقّع له، وتطلع إليه..!! فمن ظهر هذا الرجل الكريم النبيل جاءت «عائشة» ، وفى بيت هذا الرجل الطاهر العفّ نشأت «عائشة» ..
ثم كان أن انتقلت السيدة عائشة، وهى لا تزال فى إهاب الطفولة- انتقلت من هذا البيت الطاهر الكريم، إلى البيت الأكرم بيت النبوة.. فكان فى هذا البيت القدس مرباها فى طفولتها، وصباها، وشبابها. فشهدت فيه منذ صباها الباكر