وقد نزلت هذه الآيات البينات، متضمنة تلك الأحكام الخاصة بحرمات الفروج. وحين انتهت الآيات من بيان هذه الأحكام، جاء قوله تعالى:«وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ» .. ليذكّر بتحقيق هذا الخبر الذي أعلنته السورة فى أول آية منها، وليلفت الأنظار إلى أن هذه الآيات، هى الآيات البينات، التي أشارت إليها الآية الأولى من السورة.. فليتحققوا من هذا الوصف، وليطلبوه منها، وليكون لهم منه عبرة وموعظة..
وفى وصف الآيات فى أول السورة بأنها «آياتٍ بَيِّناتٍ» ووصفها هنا بأنها «آياتٍ مُبَيِّناتٍ» ما يحقق وصفين لهذه الآيات فهى آيات بينات واضحات مشرقات فى ذاتها.. سواء نظر إليها الناظرون، أو لم ينظروا.. ثم هى مبينات، تكشف لمن ينظر فيها طريق الحقّ والهدى..
وقدّم وصفها بالبيّنات على وصفها بالمبينات.. لأنها فى أول الأمر لم تكن بين يدى الناس، ولم ينظروا فيها بعد.. فكان وصفها بالبينات وصفا ذاتيا لها، دون نظر إلى اتصال الناس بها.. فلما نزلت، واتصل الناس بها كانت مبينة لهم الحق من الباطل، والهدى من الضلال..
وقوله تعالى:«وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ» معطوف على قوله تعالى: «آياتٍ مُبَيِّناتٍ» أي وأنزلنا إليكم فى هذه الآيات مثلا من الذين خلوا من قبلكم.
وهذا المثل الذي جاءت به الآيات هنا مشابها ومماثلا لمثل آخر وقع فى الأزمنة الخالية- هذا المثل هو حديث الإفك، الذي رميت به السيدة عائشة- رضى الله عنها- ومثله فى الذين خلوا من قبل، هو ما وقع لمريم- عليها السلام لما لقيها به أهلها من اتهام، حين جاءت إليهم بوليدها تحمله.. وقد برأ الله مريم فى آيات بينات من كتابه الكريم، كما قال سبحانه وتعالى فى اليهود:«وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً»(١٥٦: النساء) - فقد وصف الله سبحانه