وقد كان مقتضى النظم أن يردّ فيه ختام الآية على مطلعها، مراعى فيه الترتيب الذي جاء عليه المطلع.. بمعنى أن يكون نظم الكلام هكذا:
فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم، وما على الرسول إلا البلاغ المبين، وما عليكم إلا أن تطيعوه..
ولكن هذا كلام، وذاك قرآن.. وشتان بين القرآن، وبين الكلام! ..
فقد جاء القرآن على هذا النظم، فحمّل المنافقين الأمانة، ثم دعاهم فورا إلى الوفاء بها، لأنهم هم المطلوبون، المنادى عليهم بالخيانة.. على حين أن الرسول قد أدى أمانته، وليس فى حاجة إلى تنبيه أو طلب.. وعلى هذا يكون قوله تعالى:«وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ» توكيدا وشرحا لقوله تعالى: «فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ» وليس دعوة جديدة للنّبى أن يبلغ البلاغ المبين، على حين أن قوله تعالى:«وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا» هو أمر مطلوب من المنافقين أداؤه.
الخطاب هنا للمؤمنين جميعا، فى مواجهة المنافقين.. وأن هؤلاء المؤمنين موعودون من الله- إذا هم صدّقوا إيمانهم بالعمل الصالح- أن يستخلفهم فى الأرض، أي يجعلهم خلفاءه عليها، ويجعل إلى أيديهم السلطان المتمكن فيها..
فالإنسان هو خليفة الله على هذه الأرض، ولن يكون أهلا لهذه الخلافة إلا إذا صحّت إنسانيته، وسلمت فطرته.