وهذا يشير إلى أن مراجعة الرسول، فيما يأمر به، مما لم يستبن للمسلم منه الحجة الواضحة والدليل المقنع- هذه المراجعة، بل المعارضة أحيانا لا حرج منها، إذ كانت غايتها هى وضوح الرؤية، وانكشاف الطريق، لعينى المؤمن، حتى يكون على بينة من أمره، وحتى يمتثل ما يؤمر به، وهو على هدى وبصيرة، واقتناع..
فدعوة الإسلام دعوة قائمة على العدل، مستندة إلى الحجة والبرهان..
ومن ثمّ كان على المسلم أن يعرض أمور دينه كلها على عقله، وأن يلتمس الدليل المقنع، والحجة القاطعة فى كل أمر.. فإذا لم يسعفه عقله بالدليل، وجب عليه امتثال ما يؤمر به، مع اليقين بأنه هو الحق، والخير.. إذ ليس العقل إلا حاسّة من الحواس العاملة فى الإنسان، وشأنه شأن كل حاسّة فى أن له حدودا يعمل فيها، وأنه إذا جاوز هذه الحدود بطل عمله..
وفى سيرة الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- مع صحابته رضوان الله عليهم، كثير من المواقف، التي يلقى فيها الصحابة رسول الله- فى أدب رائع واحترام عظيم- معترضين أو مخالفين، حتى إذا كشف لهم الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- عن وجه الأمر، أو أراهم من نفسه أنه ماض لم أمرهم به، لم يكن لأحد منهم إلا السمع والطاعة، فى إيمان ثابت ويقين مكين..
وتذكر هنا- من باب الإشارة- ما كان من الحباب بن المنذر بن الجموح، حين رأى النبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- وقد أنزل المسلمين منزلا فى غزوة بدر، فلما لم يره الحباب بالمنزل المناسب للمسلمين، جاء إلى رسول الله يسأله قائلا: يا رسول الله.. أهو منزل أنزلكه الله، فليس لنا أن نتحول عنه، أم هو الرأى والمكيدة والحرب؟ فقال صلوات الله وسلامه عليه:«بل هو الرأى والمكيدة والحرب» .. وهنا أشار الحباب بالمنزل الذي رآه.. فأخذ