هو تحذير من التهاون فى توثيق الدين أيّا كان قدره، فقد يستخف بعض الناس بشأن الدين، حين يكون قليلا، فلا يكتبه، ولا يحدد له أجلا، وهذا من شأنه أن يفتح بابا للخلاف، ثم الشقاق والعداوة.
وكتابة الدين أيّا كان قدره هو العمل المبرور عند الله، لأنه قائم على العدل والإحسان، ولأنه هو الذي يضبط الشهادة ويقيمها على وجهها الصحيح، إذا اختلف الشهداء فيها، ولأنه من جهة ثالثة يبعد الريب والشبهات، حيث يرجع المتداينين إلى ما كتب، وضبط.
وقوله تعالى:«إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ»(٢٨٢) استثناء من الحكم العام المأمور به فى كتابة الدين.
ففى عملية البيع والشراء، حيث تكون البضاعة حاضرة، والثمن حاضرا معجلا، وحيث تسلّم البضاعة ويقبض الثمن فى مجلس البيع- فى هذه العملية لا تكون الكتابة ضرورية، إذ لا غناء لها، ولا معوّل عليها بعد أن يتم تسليم البضاعة وقبض الثمن.
وقوله تعالى:«تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ» إشارة إلى فورية التسليم والقبض، وتبادل البضاعة وثمنها بين البائع والمشترى.
وقوله تعالى:«وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» أمر توجيهى بأن يكون البيع والشراء بحضور شاهدين، ذلك أنه إذا لم يكن للكتابة أثر فى عمليه البيع الحاضر، فإن للشهود أثرهم فى حسم ما قد يقع بين البائع والمشترى من خلاف، فى مجلس البيع. كأن يختلفا فى الشيء المباع، كمية، أو عددا، ونحو هذا، أو أن يختلفا فى الثمن الذي تراضى به كل منهما، فيكون للشاهدين الكلمة الحاسمة فى هذا الخلاف.