ثم ها هم أولاء يسلّمون جدلا، أن يكون محمد رسولا، يأكل الطعام ويمشى في الأسواق.. ولكن كيف يكون على هذه الحال، من الضيق فى العيش، وهو على صلة بالله، الذي يفيض الخير على الناس ويملأ أيديهم من النعم؟ ألا يلقى إليه ربّه كنزا من السماء، ينفق منه عن سعة، وينال به كلّ ما شاء من متع الحياة؟ أولا يجعل له ربّه جنة يأكل منها، ويعيش في خيرها، كتلك الجنات التي يملكها أصحاب الجاه والنعمة فيهم؟
إن الذين يتصلون بالملوك، والأمراء، وأصحاب الجاه والغنى، يعيشون فى نعمة ورخاء.. فكيف تكون تلك الحال من الفقر والضيق، لمن يدّعى أنه على صلة بالله، وأنه رسول الله؟ - هكذا يقيس القوم أقدار الناس ومنازلهم عند الله! فعلى قدر ما وسع الله لإنسان في الرزق، يكون- فى تقديرهم- على قدر حبّه له، ومنزلته عنده! إن مقاييس الناس عندهم بما ملكوا من مال، وما جمعوا من حطام.. ولم يدخل في حسابهم شىء من كمالات النفس، وسمّو الروح.. وحسبوا أن هذه الحياة الدنيا هى كلّ ما للإنسان، فإذا انتهت حياته بموته انتهى كلّ شىء بالنسبة له..! ومن هنا كان حسابهم قائما على ميزان فاسد، لا يقام لشىء وزن فيه، إلا إذا كان فاسدا معطوبا..
ثم يدور هذا الحديث في القوم، ويتعاطونه فيما بينهم كما يتعاطون كئوس الخمر.. ثم يكون حصيلة هذا كله، أن يقولوا:«إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً» ! أي ما تتبعون إن اتبعتم إلا إنسانا سحر، فاختلط عقله، واضطرب تفكيره..