وإنه لمن الإيمان أن يذكر الإنسان ربّه في الضراء، وأن يدعوه لما نزل به من مكروه، إذ هو سبحانه وحده غياث المستغيثين، وحمى اللاجئين، وقد أمرنا سبحانه وتعالى أن ندعوه، ووعدنا الإجابة لما ندعوه به، فقال سبحانه:«ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»(٦٠: غافر) وقال جلّ شأنه:
«وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ»(١٨٦: البقرة) .. ولكن الذي ليس من الإيمان في شىء، بل هو من المكر بالله، وآيات الله، أن يذكر الإنسان ربه في الشدّة، وينكره في الرخاء والعافية إن ذلك إيمان كإيمان فرعون حين أدركه الغرق، فقال وقد ضاقت به سبل النجاة:«آمنت» ! إن المؤمن حقّا هو الذي يملأ قلبه أبدا بذكر الله، فى السرّاء والضرّاء على السواء.. فهو في السرّاء يذكر الله شاكرا نعمه، مسبحا بحمده، طالبا المزيد من فضله.. وهو في الضراء يذكر الله، طالبا كشف الضرّ، ورفع البلاء.. وهذا ما أشار إليه الرسول الكريم في قوله، حين خيره ربه، بين أن يكون ملكا نبيا، أم عبدا رسولا، فاختار أن يكون عبدا، وقال:«بل أكون عبدا أشبع يوما فأشكرك، وأجوع يوما فأذكرك» بل إن حقيقة الإيمان لا تنكشف إلا في مواقع النعم، وفي مواطن الإحسان، ولهذا مدح الله سبحانه وتعالى الشاكرين من عباده، ونوّه بهم، كما قال سبحانه فى نوح:«ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ. إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً»(٣: الإسراء)