المشركون ينتقلون من ناديهم الذي يتفكهون فيه بهذه الكلمات الساخرة الهازئة، بآيات الله وكلمات الله- ينتقلون من ناديهم هذا إلى الآخرة، وإلى موقف الحساب والجزاء، وإلى جهنم وسعيرها.. ثم إذا هم- فى حلم كأحلام اليقظة- قائمون في ناديهم، وقد دخلت عليهم مشاعر كئيبة ثقيلة خانقة، من هذه الرحلة القصيرة، وإذا هم في وجوم ورهق، كمن أفاق من حلم مزعج، ثم إذا هم وقد صكّت آذانهم بهذا القول الذي يطلع عليهم من حيث لا يعلمون:
«فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ» ! ويصحو القوم من وجومهم هذا، ويدورون بأعينهم هنا وهناك، باحثين عن هؤلاء الذين كذبوهم بما يقولون.. فيذكرون هذا الحلم المخيف، ويتذكرون هذا الموقف الذي كان بينهم وبين معبوداتهم، وتكذيبهم لهم.. ثم ما يكادون يصلون ما انقطع من حياتهم، حتى يلقاهم هذا الصوت قائلا:«فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً» .. فلقد كذبكم آلهتكم، وتخلّوا عنكم، وذهب النصير الذي كان متعلقكم به.. وها هو ذا العذاب مقبل عليكم، وإنكم لا تستطيعون له صرفا، ولا تستطيعون أن تجدوا لكم ناصرا ينصركم من دون الله.. ثم لا ينتهى الموقف بهم عند هذا، فإنهم ما يكادون يستسلمون لليأس، ويعطون أيديهم لهذا العذاب في استسلام ذليل، حتى يلقاهم هذا الصوت بقوله:«وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً» .. إنه ليذكرهم بأنهم ليسوا في الآخرة، وإنما هم مازالوا في هذه الدنيا، وأن طريق الخلاص مفتوح أمامهم، إذا هم أرادوا أن يلتمسوا وجه النجاة من هذا العذاب الذي رأوه بأعينهم.. فليرجعوا إلى الله، وليأخذوا في غير هذا الحديث المنكر، الذي يقولونه في آيات الله، وفي رسوله الله.. فإنهم إن رجعوا إلى الله، وآمنوا بالله وبآيات الله وبرسول الله، فقد نجوا بأنفسهم، وإلا فإن أمسكوا بما هم فيه من ظلم، فإن الله أعدّ للظالمين عذابا كبيرا..