بعيدة عن الله، إذ كل شىء حاضر بين يدى الله سبحانه، وإنما بعدها عن الله، هو بعدها عن موضع الرضا والقبول منه سبحانه وتعالى.. فهو بعد معنوى، استعير للبعد الحسىّ.. وذلك مثل قوله تعالى:«وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ»(٧٧: آل عمران) .. فالمراد بالنظر، هو نظر الرضا والرحمة..
وفى التعبير بقدوم الله سبحانه وتعالى إلى أعمال الكافرين، دون التعبير بقدومها هى إلى الله سبحانه وتعالى- إشارة إلى سوء هذه الأعمال، وكراهية الله سبحانه وتعالى لها، وأنها لا ترد عليه، ولا تنزل بحماه، وإنما تظل بمعزل عن هذا الحمى حتى يجئ اليوم الموعود، ويعرض أصحابها على الحساب، فيجاء لهم بأعمالهم تلك من مكانها المنعزل البعيد.. وإذا هى هباء منثور.
والهباء: الغبار الدقيق الذي لا يرى إلّا على أشعة الشمس.
والمنثور: المنتشر المتطاير..
وهذا يعنى، أن هذه الأعمال إذ تعرض على أصحابها، لا يرونها إلا هباء لا يمسكون منه بشئ، ولا يحصلون منه على ما ينفع، فى هذا الموقف الحرج.
والمراد بالعمل هنا، هو العمل الذي يحسب فى الأعمال الصالحة للمؤمنين، على حين أنه لا يعتدّ به إذا كان من عمل غير المؤمنين بالله.. لأن كل عمل لا يزكّيه الإيمان، هو عمل مردود على صاحبه، لأنه لم يرد به وجه الله، فهو- كما قلنا فى غير موضع- أشبه بالميتة من الحيوان، قد خبث لحمه، لأنه لم يزكّ بالذبح، ولو زكّى بالذبح لكان طيّبا، حلالا..