التفسير: التكاليف التي حملها رسل الله إلى الناس، إنما هى لإصلاح معاشهم ومعادهم، وإقامتهم على طريق مستقيم، تطيب لهم فيه الحياة، حيث تجمعهم الأخوة والمودة، ويؤلف بينهم العدل والإحسان.
وهذه التكاليف ليس فيها إعنات ولا تحدّ لقدرة الإنسان وقوة احتماله، وإلا كانت ضربا من النكال، ولونا من العقاب، الأمر الذي جاءت رسالات السماء على خلافه.. فما هى إلا رحمة من رحمات الله، وفضل من أفضاله على عباده، تفتح لهم مغالق الخير، والحق، والهدى.
وقوله تعالى:«لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» هو البيان المبين لحقيقة الشرائع السماوية، وأنها المنهج التربوى السليم، لإصلاح أمر الفرد والمجتمع، وهى الغذاء الروحي والنفسي والعقلي للإنسان.. وإذ كان هذا شأنها فإنها لم تجىء إلا بما تتقبله النفوس السليمة، وتستجيب له، وتتفاعل معه، وتسعد به.
وإذ كانت أحكام الشريعة عامة للناس كلهم، عامتهم وخاصتهم على السواء، وإذ كان الناس على درجات متفاوتة، فى القوة والضعف، وفى الصحة والمرض- فإن مما قضت به الحكمة فى ذلك أن جاءت الشرائع السماوية- وخاصة شريعة الإسلام- على مستوى الوسط للقدرة الإنسانية، بمعنى أن من فوق هذا المستوي تتسع قدراتهم لأكثر من تكاليف الشريعة، على حين أن من دون هذا المستوي لا تضيق نفوسهم به، وإن وجدوا فيه شيئا من العناء والجهد.
هذا فى مجال الإنسانية كلها.. أما فى خاصة حياة الفرد من الناس،