المحسوسات إلّا وفي الجانب الآخر، الوجه المضاد له.. فإن لم نجد هذا الوجه بحثنا عنه، حتى نعثر عليه، واقعا أو متخيّلا.
وفي قوله تعالى:«وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً» إشارة إلى أن هذا الظل هو فى يد الله، وتحت سلطان مشيئته، وأنه سبحانه لو شاء أن يجعله ساكنا، أي مقيما أبدا على حال واحدة لا ينسخه ضوء- لو شاء سبحانه ذلك، لنفذت مشيئته، ولأظلّنا هذا الظلّ أبدا.. ولكنه سبحانه قضى- بحكمته ورحمته- أن ينسخ الظلّ بالنور، وأن ينسخ النور بالظل، فنلبس في حياتنا هذين الثوبين على التناوب، كل يوم..
وفي قوله تعالى:«ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً» - إشارة إلى حركة التناسخ بين الظل والنور.. وأن يد القدرة تقبض الظلّ شيئا فشيئا، على حين تبسط النور بقدر ما تقبض من الظل..
والصورتان، وإن كانتا تدلان على مدلول واحد، إلا أن الصورة الأولى- على صغرها- فيها حركة، وفيها تفصيل، أريد بهما الالتفات إلى تلك العملية، التي تجريها يد القدرة في تناسخ الليل والنهار، أو الظلام، والنور، على حين أن الصورة ثانية كانت غايتها الكشف عن الحكمة في هذا التناسخ، وبهذا تتآلف الصورتان، وتتكون منهما صورة واحدة وإن كانت كل صورة منهما قائمة على التمام والكمال، لا ينقصها شىء من الألوان أو الظلال..