المستمع لكلمات الله، والناظر في هذه المعارض المتعددة، ما يكشف له وجه الحقيقة، ويطلعه على جوانبها كلها، وفي ذلك ما يفتح له الطريق إلى التعرف على الله والإيمان به..
وقوله تعالى:«فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً» هو عرض لموقف هؤلاء للمعاندين الضالين، إزاء آيات الله، وأن هذا البيان المبين الذي يخاطبهم به القرآن الكريم، لم يزدهم إلا نفورا من الدعوة التي يدعوهم إليها، وإلا إمعانا فى الضلال والسفه.. وذلك هو الشأن الغالب على الناس، وقليل هم أولئك الذين يرون النور، ويهتدون به..
أي أنه سبحانه وتعالى الذي صرف القرآن، وعرض حقائقه هذا العرض الكاشف المضيء، الذي ليس بعد نوره نور، ولا وراء هداه هدى- الله سبحانه الذي نزل هذا القرآن المبين، لو شاء لجعل في كل قرية نذيرا، يحمل إلى أهلها ما حمل محمد إلى الناس جميعا، من هذا النور.. ولكن ذلك لم يكن من مشيئة الله، ولا مما اقتضته حكمته.. فإن نذيرا واحدا يحمل آيات الله وكلماته فيه بلاغ مبين، لكل ذى نظر وعقل، لأن مع كل إنسان نذيرا في كيانه، هو ما أودعه الله سبحانه وتعالى فيه من عقل، يميز به بين الخير والشر، وبين الهدى والضلال، والحق والباطل: فمن كان معه هذا النذير فإن أية إشارة من إشارات الحق تكفى لإيقاظه إن كان نائما، ولتنبيهه إن كان غافلا، ولهدايته إن كان ضالا.. أما من فقد هذا النذير، فإنه لن تنفعه النّذر أبدا، ولو جاءه رسول خاص به من عند الله..